الخميس، 3 سبتمبر 2020

عن التّنمية الثّقافيّة ـ بقلم : صابر بن عالية


تؤكّد تجارب الشّعوب أنّه لا بدّ من توازن بين الأبعاد الإقتصاديّة  المادّيّة للتّنمية و تلك الروحيّة الفكريّة ، فالخروج من التّخلّف إلى التّقدّم مشروط أساسا بنضج وازدهارالتّجربة الثّقافيّة للمجتمعات . هنا تبرز أهمّيّة التّنمية الثّقافيّة كآليّة لتحقيق التّوازن المنشود بين المطالب المادّيّة و تلك الرّوحيّة و تهيئة الأرضيّة الملائمة للاقلاع الحضاري بمستوياته الإقتصاديّة و الاجتماعيّة و السّياسيّة .
تاريخيّا كانت نشأة مفهوم التّنمية الثّقافيّة أوّلا في إفريقيا  حيث اقترن بحركة التّحرّر السّياسي ، فاكتسى في البداية طابعا خطابيّا معبّرا عن التّشبّث بالهويّة الثّقافيّة و مقاومة الغزو الثقافي الاستعماري . و اكتسب هذا المفهوم طابعه الأكاديمي إثر مؤتمر اليونسكو في البندقيّة سنة 1970 حول الجوانب المؤسّسيّة و الإداريّة و الماليّة للسّياسات الثّقافيّة . في هذا المؤتمر و للمرّة الأولى وقعت صياغة مفهوم التّنمية الثّقافيّة بصفة واضحة و ذلك في إطار توسيع و تجديد المفهوم الاقتصادي للتّنمية . 
ثمّ انتشر هذا المصطلح في قارّات العالم بفضل جملة من المؤتمرات الإقليميّة ( مؤتمر هلسنكي سنة 1972 ، مؤتمر جاكرتا و مؤتمر أكرا سنة 1975 ، مؤتمر يوغوتا سنة 1978 ) .
و خلال المؤتمر العالمي لليونسكو حول السّياسات الثّقافيّة المنعقد بمكسيكو سيتي سنة 1982 تمّ تناول عديد المسائل المتعلّقة بهذا المفهوم على غرار أهداف التّنمية الثّقافيّة و وسائلها و دور القطاع العامّ و التّعاون الدولي و مهامّ اليونسكو في هذا المجال . 
يمكن تعريف التّنمية الثّقافيّة بأنّها ذلك التّغيير التّقدّمي الّذي تتعزّز الثّقافة بمقتضاه كمّا و كيفا و تتوسّع آفاقا و أبعادا و تتطوّر و تزدهر . وهي أيضا تلك المنهجيّة الّتي تستوعب كلّ موارد المجتمعات لتحوّلها في النّهاية إلى أنشطة فكريّة و اجتماعيّة تتمّ ممارستها في المجتمع و يتفاعل معها الأفراد بأساليب متباينة ، بحيث تكون في النّهاية عنصرا أساسيّا في تحديث إدراكهم لواقعهم الاجتماعي . من زاوية نظر وظيفيّة يمكن تعريف التّنمية الثّقافية على أنّها قيام مؤسّسة أو مؤسّسات معيّنة بطرح برنامج ثقافي معيّن تعمل من خلاله على تطوير مجال ثقافي كإصدار سلسلة من الكتب أو المجلّات الثّقافيّة الدّوريّة أو إقامة حفلات موسيقيّة او معارض تشكيليّة .( ماهيّة التّنمية الثّقافيّة ـ زموري زينب ـ مجلّة العلوم الإنسانيّة و الاجتماعيّة العدد 14 مارس 2014 ) .
للتّنمية الثّقافيّة دور محوري في البناء الاجتماعي ، فهي توجّه المسارات الاجتماعيّة نحو الأفضل ، كما تسمح بإدارة العمليّات الفكريّة للمجتمع بطريقة فضلى . هي كذلك تخوّل للمجتمع تطوير آليّات لتحقيق الوعي الكافي و التّفاعل مع الثّقافة بجوانبها المادّيّة و اللامادّية ، وهو ما يمكّن هذا المجتمع من تحديد حاجيّاته الفكريّة الحقيقيّة و الاستجابة لها . هي أيضا ضروريّة لتكيّف الأفراد و الجماعات مع التّحديث الاقتصادي و التّنظيمي في المجتمع . 
 تعزّزت أهميّة التّنمية الثّقافيّة بفعل العولمة حيث تتطلّب المرحلة تخطيطا محكما لإدارة عمليّات الثقافة في المجتمع بما يراعي البيئة المحليّة و يتفاعل مع الثّقافة الكونيّة .  و في عالم تعصف به التّقلّبات و الهزّات و تتفاقم فيه الصّعوبات الإقتصاديّة يجب أن تكون التّنمية الثّقافيّة في صدارة الإهتمامات لدورها في إكساب المجتمعات القدرة على الصّمود و مجابهة الأزمات و استنباط الحلول البديلة و المتجدّدة و الملائمة محلّيّا . 
ترتبط التنمية الثّقافيّة بعلاقات وطيدة بالأبعاد الأخرى للتّنمية الشّاملة و لا سيّما منها التّربويّة و الإقتصاديّة كما ترتكز على المشاركة الإيجابيّة لجميع أفراد المجتمع في الحياة الثّقافيّة . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المركّب الثّقافي محمّد الجمّوسي بصفاقس : أمسية شعريّة عربيّة افتراضيّة

  في إطار المقهى الأدبي عبد الرّزّاق نزار ينظّم المركّب الثّقافي محمّد الجمّوسي بصفاقس أمسية شعريّة عربية افتراضيّة عبر تقنية التّواصل عن بع...