السبت، 15 أغسطس 2020

معالم : المدينة العتيقة بصفاقس

كانت مدينة صفاقس في البداية تجمّعا سكّانيّا محاطا بسور في شكل مستطيل  تبلغ مساحته 24 هكتار و يتوسّطه المسجد الجامع . و قد أسّس سورها في منتصف القرن التّاسع ميلادي علي بن سالم البكري الوائلي جدّ أبي إسحاق الجبنياني ، بأمر من الأمير أحمد ابن الأغلب . نجد ذكرا للمدينة في عديد المصادر و المراجع التّاريخيّة ، فقد تحدّث عنها ابن حوقل في القرن العاشر ميلادي و أبو عبيد البكري و جغرافيّون و رحّالون آخرون في القرن الحادي عشر .
وصفها محمود مقديش الصّفاقسي في كتابه " نزهة الأنظار " بأنّها كانت في بدايتها محرسا من المحارس  و برجا ، في موقع قصبتها ، وصفه بقوله : " صار مجلبة للتّجّار و السّكّان حوله حتّى أمر الأمير أحمد ابن الأغلب ببناء سور من الطّوب على ما اجتمع من المساكن و الفنادق و السّوق " فالمدينة تكوّنت انطلاقا من تجمّع سكني تشكّل حول الرّباط . إلّا أنّ الأبحاث الأثريّة في القصبة كشفت عن وجود  " جامع الرّباط  " و هو من طرازالجوامع الّتي نجدها داخل رباطات إفريقيّة لكنّ التّخطيط الهندسي المنظّم المشابه للمدن الإسلاميّة يستبعد نظريّة أنّ أساس المدينة تجمّع سكني عفوي . 
عرفت المدينة في عهد الدّولة الحفصيّة عديد التّحوّلات السّياسيّة حيث تداول على قيادتها العديد من القادة مثل يحي ابن غاية الميورقي و المدعي أبي عمارة أحمد ابن مرزوق و المستنصر الثّاني ثمّ بنو مكّي الّذين تمكّنوا من حكم المدينة لفترة طويلة ( 1228 م ـ 1393 م )  تحت ولاء الحفصيّين إلى أن استقلّوا . و قد كانت آنذاك مدينة منزوية داخل سورها كما وصفها ليون الإفريقي المعروف بالرّحّالة الحسن ابن محمّد الوزّان الزّيّاتي : " هي مدينة كبيرة ، تتمتّع بسور ضخم شاهق ، لكنّها اليوم لا تضمّ إلّا مابين ثلاثمائة و أربعمائة أسرة ، و عدد الدّكاكين فيها قليل جدّا نتيجة استغلالها من طرف الأعراب و سلاطين تونس . يشتغل سكّانها بالحياكة و الملاحة و الصّيد البحري ... ومنهم من يسافر على متن السّفن للتّجارة مع مصر و تركيا " .منذ ذلك التّاريخ ، بداية القرن السّابع عشر ، شهدت صفاقس انطلاقة جديدة من خلال تزايد نشاطها التّجاري مع الشّرق و امتلاك الأراضي الفلاحيّة الجديدة . و يعتبر الشّيخ علي النّوري الرّائد الأوّل لنهضة صفاقس العلميّة و الاقتصاديّة .
في القرن الثّامن عشر سلكت صفاقس سياسة الحذر بين المتنافسين على السّلطة خلال الفترة الباشيّة الحسينيّة وهو ما لم يمنعها من ممارسة أعمالها الأقتصاديّة و أنشطتها التّجاريّة بكلّ أريحيّة بتشجيع من أمراء و كبار الدّولة و أصحاب رؤوس الأموال و ذلك بالرّجوع إلى السّياسة العامّة الّتي سلكها الباي علي بن حسين و ابنه حمّودة و الوزير يوسف خواجة صاحب الطّابع . لكن مع اندلاع ثورة علي بن غذاهم سنة 1864 على سياسة الباي السّلبيّة أعلنت صفاقس ثورتها بمساندة عروش المثاليث . و حين خمدت الثّورة في سنة 1865 م فرض على صفاقس دفع الضّرائب في شتّى معاملاتها ممّا أنهكها إقتصاديّا . 
تحتوي المدينة العتيقة على عديد المعالم الأثريّة الهامّة وهي السّور و القصبة و الأبواب و المساجد و الأسواق و الدّور و الفنادق . كما يوجد بها متحف الفنون و التّقاليد الشّعبيّة دار الجلّولي و متحف العمارة التّقليديّة في رباط القصبة . و تجدر الإشارة إلى أنّه وقع إدراجها في القائمة التّمهيديّة للتّراث العالمي من طرف اليونسكو .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المركّب الثّقافي محمّد الجمّوسي بصفاقس : أمسية شعريّة عربيّة افتراضيّة

  في إطار المقهى الأدبي عبد الرّزّاق نزار ينظّم المركّب الثّقافي محمّد الجمّوسي بصفاقس أمسية شعريّة عربية افتراضيّة عبر تقنية التّواصل عن بع...